فان كوخ يستبدل نفسه بكرسي قديم

حيرت لوحة الرسام الهولندي فان كوخ (الكرسي الاصفر) او (كرسي فنسنت) مثلما يحلو للنقاد تسميتها،الفنان التشكيلي العراقي المقيم في هولندا ستار كاووش، كما لوحات اخرى لصاحب السيرة الاكثر تراجيديا في تاريخ الفن التشكيلي، لاينفك كاووش عن التساؤل: كيف يستبدل الفنان نفسه بكرسي قديم، هذا الكرسي هو برأيي الشخصي بورتريت لفنسنت وهو دليل على الغياب.. غياب الفنان وتماهيه مع عالم إفتراضي آخر.
اجد في هذه اللوحة من الغموض ما لم اجده في لوحاته الأخرى، ربما بعد أن سئم رسم وجهه الذي يعتبره قبيحاً، رسم كرسيّه القديم وعلبة غليون وقليل من التبغ، في هذا الكرسي تنعكس شخصية فنسنت بشكل كامل وخاصة إذا قارناها مع لوحة (كرسي جوجان) حيث يظهر الفرق بين حرارة و برودة الألوان.. بين الغنى والفقر بين ضوء النهار وضوء والمساء.
انا الاخر ياصديقي استوقفتني غرفة فان كوخ التي رسمها الفنان من زوايا مختلفة ،تماما مثلما شريط السينما.. لقطة عامة لمحتويات الغرفة، السرير، الكرسي، الطاولة، المزهرية، الحذاء المركون في زاويا مهملة.. ليدخل في تفاصيلها لقطة مكبرة تفضح مكنونات الشيء.. اساه الذي هو اسى الفنان بالضرورة، اتفق معك على غياب الفنان كشخص، لكني انظر لمسوغات الغياب من وجهة نظر اخرى، الفنان المسكون بهواجس العذابات الكلية، والعاجز عن الفداء بالمفهوم المسيحي بعد ان غربته المؤسسة الكهنوتية.. كانت فوراته الهستيرية لاتجد لها متنفسا، الا فيما يرسم، فالاشياء لم تعد جامدة، انها مؤنسنة الى حد ما، واذا كان الجريكو يحمل فيكراته استطالات من الالم، فإن فان كوخ يمنح فيض آلامه الى اشيائه.
في غرفتي الصغيرة ببيتنا الذي لا ادري ان كنت مازلت تتذكره ام نسيته؟ كنا نسقط (اشباح فان كوخ) على جدارها، وقتها كنت اتامل حذاء كوخ واسقط سيرته عليه، هو ليس حذاءً باليا انما تاريخ لروح معذبة.
الكرسي يحيلنا الى صاحبه..
الى وحدته.. الى انقباض روح مولعة بحب الناس.. الكرسي هو... انها لعبة التماهي، الشيء لم يعد وجودا استعماليا او تزينيا، انما هو حالة من التحولات تعكسها رؤية الفنان.. كيس التبغ والغليون والالوان الباردة وضوء المساء، مفردات في تكوين اللوحة، تبعث البرم والسئم وتعسف الزمن اللامجدي، الذي يعزز ذلك، واتفق فيه معك.. مع الكرسي الاخر..
كرسي جوجان.. يبدو الامر مختلفا، فالالوان حارة.. باذخة.. بهيجة، ايقاع تكوينها راقص.. طروب، اللون الاخضر والكتابان والشمعتان، انها استعدادات هذه النفس المفتونة بحب الناس حد الهستريا، للاحتفاء بصداقة جوجان العائد بعد غياب - سيحول حياة فان كوخ المضطربة اصلا الى جحيم - انها مسرات فان كوخ الصغيرة وهو يرنو لصحبة جوجان داخل بيته الاصفر في مدينة اراس جنوبي فرنسا.

عن فان كوخ
رسم فان كوخ "الكرسي" في العام 1888قبيل وفاته بعامين منتحرا بطلقة سددها الى قلبه ،عاش حياة تراجيديا ،حول يأسها وبؤسها الى لوحات تعد الان كنوز الفن الانساني الخالد، اشهرها لوحة "عباد الشمس "، " حقل حنطة وغربان"، وبورتريه"الرجل ذو الغليون"و" أكلة البطاطا".

عن ستار كاووش
ولد في بغداد في العام 1963، تخرج من كلية الفنون الجميلة العام 1990، اقام 21معرضا شخصيا، ومايقارب من 50 معرضا مشتركا في بلدان مختلفــة منها هولندا واميركا والامارات واوكرانيا والسويد فضلا عن وطنه الام العراق.اختارته مؤسسة (بيت فان كوخ) لاقامة معــرض شخصي لاعمــاله في العام 2006 ، ومكــان المعـــرض هو بيت الرسام فنست فـــان كــوخ.

انا اعجز عن وصف ابداعك ياعمار
تحيه الى احلى مدير

حبيبي