في العام 1996 واثر اقتراح للمجموعة العربية في اليونسكو بدء تطبيق فكرة عاصمة الثقافة العربية , وهدف المجموعة العربية في اليونسكو من هذه الفكرة اظهار الامكانيات الحضارية للمدينة المعنية ودروها التاريخي والمعاصر في الابداع الثقافي والحضاري , وقد اختيرت بغداد عاصمة للثقافة العربية في العام 2013 , اذا هي سنتان لنهوض بغداد بهذه الاحتفالية المهمة , والحقيقة ان الاستعدادات بدأت على قدم وساق للتحضير لهذه المناسبة , متمثلة بوزارة الثقافة والمجلس الاعلى للثقافة , ولجنة الثقافة والاعلام والسياحة والاثار التابعة لمجلس النواب وامانة بغداد وغيرها من الدوائر والمؤسسات المؤهلة لتقديم المساعدة لانجاز متطلبات النجاح لهذه الاحتفالية , ولكل هؤلاء الشكر والتقدير لما عملوا وما سيعملون , ولكن علينا ان نضع خطط لابراز الهوية الثقافية , وعلينا ان نقٍِّيم ايجابيات المشهد الثقافي في السنين السابقة لنقف على ماهو ايجابي لنقوم بتطويره وماهو سلبي لنتغلب عليه , ولكن ماذا سنعمل استعدادا لنهوض بغداد بهذا الاختيار عام 2013 , وكيف نسترجع الحياة الثقافية في بغداد , بداية علينا ان نستفيد من تجارب المدن التي تم اختيارها سابقا لتكون عاصمة للثقافة العربية ونستفيد من تجاربهم في هذا المجال ونتجنب السلبيات التي وقعوا فيها وندرس الايجابيات ونقوم بتطويرها ان امكن , فبغداد تعتبر ثاني اكبر عاصمة في الوطن العربي وتاتي بعد القاهرة مباشرة من حيث عدد السكان والمساحة , ومدينة بهذه الاهمية تستحق الاهتمام وبما يتلائم واهميتها , والشواهد الثقافية في بغداد لاتعد ولاتحصى , فشارع الرشيد مثلا سيكون من الجميل ان نقوم بصيانته وتأهيله فهو اقدم شارع في بغداد ويرتبط اسمه ببغداد نفسها ويرتبط ايضا بالكثير من الاحداث التاريخية , ونفس الشيء لشارع النهر هذا الشارع العريق او شارع البنات كما يحلو للبعض تسميته والذي يعود تاريخه لنشوء بغداد نفسها حيث كان يسمى طريق رأس القرية وشق هذا الطريق ليوصل لقصر الخلافة المسمى قصر التاج والذي كان يسكنه الخليفة المأمون , وكان يستقبل الناس فيه , وفي بغداد يوجد الكثير من النصب والتماثيل التي تمثل موروثنا الثقافي والتاريخي ومن المهم ادامتها وتأهيلها , فأي شخص يقف قرب تمثال شهرزاد وشهريار لابد وأن يسرح بخياله في قصص الف ليلة وليلة الخالدة وكذلك نصب مرجانة والاربعين حرامي ناهيك عن النصب والتماثيل الاخرى لاعلام الادب والشعر كتمثال الرصافي والمتنبي وغيرهم , وفي الفترة الاخيرة قام المسؤلون عن المتحف البغدادي بصيانته واعادة افتتاحه امام الزائرين هذا المتحف الذي يدون تراث بغداد القديمة من بداية القرن العشرين وتقاليد العوائل البغدادية , هذا المتحف الجميل الذي تجد فيه تفاصيل تراثنا غير البعيد كالعربات التي تجرها الخيول قبل دخول السيارات لبغداد والزفة البغدادية وختان الاولاد وبائع الفرارات وليلة الحنة , هذا المتحف الذي يكاد يضاهي بجماله متحف الشمع (متحف مدام توسو) في لندن يستحق ان نطوره اكثر وندخل التكنولوجيا المتقدمة اليه كالاضاءة الملونة بالليزر وارضية المسارح المتحركة وغيرها من التطويرات , وكذا الحال بالنسبة للمتحف العراقي والذي ايضا افتتح مؤخرا امام الزائرين , فهذا المتحف يمثل تاريخ العراق منذ مايقارب الخمسة الاف سنة قبل الميلاد وهو من اهم المتاحف في الشرق الاوسط وقد تم تأهيل قاعتين فيه هما القاعة الاسلامية والقاعة الاشورية مع خطط مستقبلية لتأهيل قاعتين اخريين تشمل اعادة تصميمها ووضع نظام انارة جديد مع ترتيب حديث لعرض الآثار وكذلك وضع نظام مراقبة الكتروني متطور , وقد اتفقت الحكومة العراقية مؤخرا مع شركة كوكل العالمية الشهيرة لعمل جولة افتراضية رقمية عبر الانترنت لزيارة هذا المتحف ليتمكن اي انسان وفي اي بقعة في العالم من زيارة المتحف العراقي وهو جالس في بيته , ويوجد في بغداد ايضا بيوت وخانات تراثية كثيرة وبنيت على مراحل متعاقبة كل بيت او خان يمثل مدلول ثقافي معين وهذه البيوت والخانات نالت منها ايد الزمن وتحتاج للصيانة بشكل ملحوظ كبيت الشهربلي وبيت الاستربادي وأقبال الدولة والالماني وخان دلة الكبير وخان دلة الصغير وخان الخضيري وخان النخلة وخان الباشا الكبير وخان العادلية ناهيك عن المدرسة المستنصرية وقصر القشلة والباب الوسطاني وسور القلعة والكثير غيرها , والفنون الثقافية في بغداد متنوعة , فالفن التشكيلي العراقي ثري جدا ويملك مخزون كبير من الرواد في هذا المجال وتوجد قاعات كثيرة في بغداد لطالما عرضت نتاجات هؤلاء الرواد وفنانينا المبدعين المعاصرين , كقاعة الاورفلي وحوار ورؤيا وأثر وقاعة الفن الحديث والرواق وغيرها الكثير فتلك القاعات تحتاج لدعمنا لها فكل قاعة من هذه القاعات تعتبر كمركز مصغر للفنون , وفيها شاهد العالم اجمل اللوحات والنتاجات التي ارتبطت بأسم فنانيها , و الفرقة السيمفونية العراقية هي فرقة الأوركسترا السيمفونية الوطنية في العراق و مقرها في العاصمة العراقية بغداد , وهذه الفرقة قدمت حفلات ناجحة خارج العراق في الكثير من الدول مثل (الأردن، لبنان، الأتحاد السوفيتي السابق، والولايات المتحدة الامريكية ودول اخرى كثيرة ) , وتقدم في منهاجها مقطوعات لمختلف العصور الموسيقية فضلا عن مقطوعات سمفونية لمؤلفين عراقيين , ومؤخرا أعلنت وزارة الثقافة ، وكدعم واضح للثقافة العراقية عن مسابقة معمارية عالمية لإعداد تصاميم دار الأوبرا العراقية التي من المؤمل أن تكون معلماً ثقافيا مهما وبالتالي تكون متمم حضاري وثقافي لهذه الاوركسترا وغيرها من الفرق الاخرى التي تمثل الثقافة والتراث والحضارة العراقية افضل تمثيل كالجالغي البغدادي ورباعي بغداد الوتري الذي نتمنى ان يعاد , كما نتمنى ان يتم ترميم بيوت عمالقتنا الكبار في الادب والشعر والغناء فهؤلاء العمالقة يستحقون ان نحيي اسمهم ماأستطعنا الى ذلك من سبيل وجعلها معلما ثقافيا وحضاريا نشم منه عبق التراث والتاريخ , فكم من دولة جعلت من بيوت ادبائها وفنانيها متاحف ومعالم تراثية , ففي المانيا مثلا قامت الدولة الالمانية بترميم بيتي الاديبين العملاقين كوتة وشيلر في مدينة فايمار وفتحتهما للزائرين والسياح , وكذلك بيت الموسيقار العالمي الشهير بيتهوفن في بون حيث قاموا بتحويل منزله الى متحف يحتوي على آلاته الموسيقية الخاصة به ومخطوطاته ووثائقه , فياحبذا لو قمنا بترميم وتأهيل بيوت الجواهري ونازك الملائكة ومنير بشير والقبنجي وناظم الغزالي وسليمة مراد وزهور حسين وغيرهم من عمالقتنا الكبار وجعلناها متاحف وجمعنا ما نستطيع من متعلقات تخصهم ووضعناها في هذه البيوت , فهم يستحقون منا التقدير والاهتمام , هؤلاء الذين قدموا للثقافة العراقية الكثير .