ان واقعة استشهاد السيد احمد المقدس ومقتله تَحزُّ في النفس وتؤثر فيها ، فانه لم تُرْعى فيه هيبته ووقاره ، ولا كبَِر سنه ، ولا غربته ومقصده ، ولا حرمة اهله وعياله ، ولا عظم شرفه ونسبه . تلك الواقعة المؤلمة التي يرويها العلامة نسّابة عصره السيد رضا الغريفي (قده) فيقول : لما بلغ السيد احمد المقدس السبعين ، وسمع منادي رب العالمين ، بأذن فكره الواعيه تأهبوا للموت ياابناء السبعين ، اوصى الى ولده الاكبر وهو السيد الجليل العلي ، السيد الاكرم ، السيد علي ، وخلفه على اهل بيته وارومته ، وباقي عشيرته ، ورأسه بالرياسة العلمية على بلدته ثم سار بجهده وجده ، قاصدا قبر جده امير المؤمنين علي ابن ابي طالب واولاده المعصومين (سلام الله عليهم) ، وكان قد صحب زوجته وهي من بنات عمه مع رضيع له غير مفطوم اسمه منصور . وكان يومئذ الطريق لزوار العتبات المقدسة من البحرين وما والاها هو طريق السفن الشراعية الى البصرة ومنها يدخلون الفرات من القرنة الى النجف الاشرف ، او الى الكوفة بعد ذلك ، وقلما يسلك الزوار الطريق البري اعني ضفتي نهر دجلة والفرات على البغال والخيل خوف من القتل والنهب في تلك العصور المظلمة التي تسودها الفوضى . والمعروف انه (قدس سره الشريف) قد سلك الطريق البري ، حتى اذا بلغ (لملوم العتيق) وقع عليهم قطاع طريق من (الجبور) وهي عشيرة معروفة ، وكان معه خلق كثير من اهل البحرين ممن صحبه في السفينة فنهبو امتعتهم وقتلوا جملة منهم ، ولما اقبلوا على السيد المقدس ابى ان يسلم لهم القياد ، وينيلهم المراد ، وهو حي يسمع ويرى مع مشاهدته لجميع ما جرى وامتنعت نفسه الحرة اشد الامتناع ، وتولى هو بنفسه الدفاع ، على كبر سنه ، وضعف بدنه ، فقاتلهم قتال الاسود ، بعد ان ودع اهله وداع مفارق لا يعود وذلك بعد ان ادرك خبث سريرتهم بزوجته ، وابنة عمه ومناط غيرته ، ومازال وما زالوا معه في كرٍّ وفرٍّ حتى قتل منهم مقتلة عظيمة وثلم ثلمة جسيمة ، وهو في ميدانهم وحيد وبينهم فريد ، ينظر الى حليلته وطفله مرة فيسمع منهما الصيحة والصرخة العالية ، والى عدوه اخرى فيرى الجيوش منهم متوالية ولم يزل ولا يزال ، على هذه الحال ، وقد اعجبوا به وتعجبوا منه وقد عرفوا منه شجاعة الاولين ، وان الاخرين منهم قد قفى السالفين ، فاحاطوا به من كل جانب ومكان ، وهو بينهم ينادي والله اني عطشان ، ويلكم تدّعون ولاية جدي ، وتهجمون على عيالي وولدي ، وما زالوا به حتى قتل بالطعن والضرب واجهزوا عليه فذبحوه من الوريد الى الوريد ثم جاوءا الى زوجته فذبحوا رضيعها في حجرها وهي تنظر اليه بعينها ثم قتلوها بعده واعرضوا عنهم منكسرين ، وعمّا راموه من السوء خائبين ، ثم جمعوا قتلاهم فدفنوهم (لعنهم الله) وتركوا السيد وزوجته وابنه الذي لا ذنب له غير مُغَسّلين ولا مكفنين ولا مدفونين ، مرميين بالعرى ، متوسدين بالثرى ، يزورهم وحش الفلا ، ثلاثة ايام وقيل سبعة ايام ، ثم اتحفهم الله تعالى بقوم من اهل البحرين لم يشركوا في دمائهم وكان مجيئهم ليلاً فرأوا على البعد نوراً ساطعاً وضياء لامعاً فمشوا با تجاه ذلك الضياء وقفوا اثر ذلك السناء ، حتى بلغوا اليهم ، ووقفوا عليهم ، وحققوا النظر فيهم ، واذا برئيسهم المقدس السيد احمد قد ذبح على غربته وذر بالعراء في وحدته ، مع رضيعه وزوجته ، فجعلوا يبكون ويحثون التراب على رؤوسهم ثم قاموا فحفروا له ولزوجته قبراً وصلّوا عليهما بعد تغسيلهما وتكفينهما ودفنوهما ، وحفروا ايضاً لابنه الذبيح بلا ذنب ودفنوه بعد الصلاة عليه وتغسيله وتكفينه ، واقاموا له علماً لا تندرس آثاره ولا يعفوا رسمه . وما ان ظهرت (شارته) في قتلته ، وكراماته فيمن قصده ، وعطاياه فيمن انتدبه ، حتى شُيّد قبره ، ووسع حرمه ، واتسع صحنه الذي تراه يزدحم بالزائرين ، وقد زين مرقده بمنارتين امام الحضرة المقدسة ارتفاع احدهما 26م ويقصده خلق كثيرون في ليالي الجمع وخاصة من المرضى والمصابين للتبرك به والتماس الشفاء من الله سبحانه وتعالى ببركته ومنزلته عند الله تعالى .